كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإنه لقادر أن يأخذ الناس بظلمهم الذي يقع منهم ولو فعل لدمرها عليهم تدميرا؛ ولكن حكمته اقتضت أن يؤخرهم إلى أجل، وهو العزيز الحكيم: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
والله خلق هذا الخلق البشري وأنعم عليه بآلائه، وهو وحده الذي يفسد في الأرض ويظلم، وينحرف عن الله ويشرك؛ ويطغى بعضه على بعض، ويؤذي سواه من الخلق.، والله بعد هذا كله يحلم عليه ويرأف به، ويمهله وإن كان لا يهمله. فهي الحكمة تصاحب القوة، وهي الرحمة تصاحب العدل، ولكن الناس يغترون بالإمهال، فلا تستشعر قلوبهم رحمة الله وحكمته، حتى يأخذهم عدله وقوته. عند الأجل المسمى الذي ضربه الله لحكمة، وأمهلهم إليه لرحمة. {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
وأعجب ما في الأمر أن المشركين، يجعلون لله ما يكرهون من البنات وغير البنات، ثم يزعمون كاذبين أن سينالهم الخير والإحسان جزاء على ما يجعلون ويزعمون! والقرآن يقرر ما ينتظرهم وهو غير ما يزعمون: {ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون}.
والتعبير يجعل ألسنتهم ذاتها كأنها الكذب ذاته، أو كأنها صورة له، تحكيه وتصفه بذاتها. كما تقول قوامه يصف الرشاقة وعينه تصف الحور. لأن ذلك القوام بذاته تعبير عن الرشاقة مفصح عنها، ولأن هذه العين بذاتها تعبير عن الحور مفصح عنه. كذلك قال: تصف ألسنتهم الكذب، فهي بذاتها تعبير عن الكذب مفصح عنه مصور له، لطول ما قالت الكذب وعبرت عنه حتى صارت رمزًا عليه ودلالة له!.
وقولهم: أن لهم الحسنى، وهم يجعلون لله ما يكرهون هو ذلك الكذب الذي تصفه ألسنتهم أما الحقيقة التي يجبههم بها النص قبل أن تكمل الآية، فهي ان لهم النار دون شك ولا ريب، وعن استحقاق وجدارة: {لا جرم أن لهم النار} وأنهم معجلون إليها غير مؤخرين عنها: {وأنهم مفرطون} والفرط هو ما يسبق، والمفرط ما يقدم ليسبق فلا يؤجل.
وبعد فإن القوم ليسوا أول من انحرف، وليسوا أول من جدف، فقد كان قبلهم منحرفون ومجدفون، أغواهم الشيطان، وزين لهم ما انحرفوا إليه من تصورات وأعمال، فصار وليهم الذي يشرف عليهم ويصرفهم؛ وإنما أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم ليستنقذهم، وليبين لهم الحق من الباطل، ويفصل فيما وقع بينهم من خلاف في عقائدهم وكتبهم؛ وليكون هدى ورحمة لمن يؤمنون.
{تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}.
فوظيفة الكتاب الأخير والرسالة الأخيرة هي الفصل فيما شجر من خلاف بين أصحاب الكتب السابقة وطوائفهم. إذ الأصل هو التوحيد، وكل ما طرأ على التوحيد من شبهات وكل ما شابه من شرك في صورة من الصور، ومن تشبيه وتمثيل.. كله باطل جاء القرآن الكريم ليجلوه وينفيه، وليكون هدى ورحمة لمن استعدت قلوبهم للإيمان وتفتحت لتلقيه.
وعند هذا الحد يأخذ السياق في استعراض آيات الألوهية الواحدة فيما خلق الله في الكون، وفيما أودع الإنسان من صفات واستعدادات، وفيما وهبه من نعم وآلاء، مما لا يقدر عليه أحد إلا الله.
وقد ذكر في الآية السابقة إنزال الكتاب وهو خير ما أنزل الله للناس وفيه حياة الروح فهو يتبعه بإنزال الماء من السماء، وفيه حياة الأجسام: {والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون}.
والماء حياة كل حي، والنص يجعله حياة للأرض كلها على وجه الشمول لكل ما عليها ومن عليها، والذي يحول الموت إلى حياة هو الذي يستحق أن يكون إلها: {إن في ذلك لآية لقوم يسمعون} فيتدبرون ما يسمعون. فهذه القضية. قضية آيات الألوهية ودلائلها من الحياة بعد الموت ذكرها القرآن كثيرا ووجه الأنظار إليها كثيرا، ففيها آية لمن يسمع ويعقل ويتدبر ما يقال.
وعبرة أخرى في الأنعام تشير إلى عجيب صنع الخالق، وتدل على الألوهية بهذا الصنع العجيب: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين} فهذا اللبن الذي تدره ضروع الأنعام مم هو؟ إنه مستخلص من بين فرث ودم، والفرث ما يتبقى في الكرش بعد الهضم، وامتصاص الأمعاء للعصارة التي تتحول إلى دم. هذا الدم الذي يذهب إلى كل خلية في الجسم، فإذا صار إلى غدد اللبن في الضرع تحول إلى لبن ببديع صنع الله العجيب، الذي لا يدري أحد كيف يكون.
وعملية تحول الخلاصات الغذائية في الجسم إلى دم، وتغذية كل خلية بالمواد التي تحتاج إليها من مواد هذا الدم، عملية عجيبة فائقة العجب، وهي تتم في الجسم في كل ثانية، كما تتم عمليات الاحتراق، وفي كل لحظة تتم في هذا الجهاز الغريب عمليات هدم وبناء مستمرة لا تكف حتى تفارق الروح الجسد.، ولا يملك إنسان سوي الشعور أن يقف أمام هذه العمليات العجيبة لا تهتف كل ذرة فيه بتسبيح الخالق المبدع لهذا الجهاز الإنساني، الذي لا يقاس إليه أعقد جهاز من صنع البشر، ولا إلى خلية واحدة من خلاياه التي لا تحصى.
ووراء الوصف العام لعمليات الامتصاص والتحول والاحتراق تفصيلات تدير العقل، وعمل الخلية الواحدة في الجسم في هذه العملية عجب لا ينقضي التأمل فيه.
وقد بقي هذا كله سرا إلى عهد قريب، وهذه الحقيقة العلمية التي يذكرها القرآن هنا عن خروج اللبن من بين فرث ودم لم تكن معروفة لبشر، وما كان بشر في ذلك العهد ليتصورها فضلا على أن يقررها بهذه الدقة العلمية الكاملة، وما يملك إنسان يحترم عقله أن يماري في هذا أو يجادل، ووجود حقيقة واحدة من نوع هذه الحقيقة يكفي وحده لإثبات الوحي من الله بهذا القرآن. فالبشرية كلها كانت تجهل يومذاك هذه الحقيقة.
والقرآن يعبر هذه الحقائق العلمية البحته يحمل أدلة الوحي من الله في خصائصه الأخرى لمن يدرك هذه الخصائص ويقدرها؛ ولكن ورود حقيقة واحدة على هذا النحو الدقيق يفحم المجادلين المتعنتين.
{ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون}.
هذه الثمرات المنبثقة عن الحياة التي بثها الماء النازل من السماء. تتخذون منه سكرا والسكر الخمر ولم تكن حرمت بعد ورزقًا حسنًا، والنص يلمح إلى أن الرزق الحسن غير الخمر وأن الخمر ليست رزقًا حسنًا، وفي هذا توطئة لما جاء بعد من تحريمها، وإنما كان يصف الواقع في ذلك الوقت من اتخاذهم الخمر من ثمرات النخيل والأعناب، وليس فيه نص بحلها، بل فيه توطئه لتحريمها {إن في ذلك لآية لقوم يعقلون}. فيدركون أن من يصنع هذا الرزق هو الذي يستحق العبودية له وهو الله..
{وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.
والنحل تعمل بإلهام من الفطرة التي أودعها إياها الخالق، فهو لون من الوحي تعمل بمقتضاه.
وهي تعمل بدقة عجيبة يعجز عن مثلها العقل المفكر سواء في بناء خلاياها، أو في تقسيم العمل بينها، أو في طريقة إفرازها للعسل المصفى.
وهي تتخذ بيوتها حسب فطرتها في الجبال والشجر وما يعرشون أي ما يرفعون من الكروم وغيرها وقد ذلل الله لها سبل الحياة بما أودع في فطرتها وفي طبيعة الكون حولها من توافق، والنص على أن العسل فيه شفاء للناس قد شرحه بعض المختصين في الطب. شرحًا فنيًا، وهو ثابت بمجرد نص القرآن عليه، وهكذا يجب أن يعتقد المسلم استنادا إلى الحق الكلي الثابت في كتاب الله؛ كما أثر عن رسول الله.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رجلًا جاء إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسقه عسلًا فسقاه عسلًا. ثم جاء فقال: يا رسول الله سقيته عسلًا فما زاده إلا استطلاقًا. قال: اذهب فاسقه عسلًا فذهب فسقاه عسلًا ثم جاء فقال: يا رسول الله ما زاده ذلك إلا استطلاقًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك اذهب فاسقه عسلًا فذهب فسقاه عسلًا فبرئ».
ويروعنا في هذا الأثر يقين الرسول صلى الله عليه وسلم أمام ما بدا واقعًا عمليًا من استطلاق بطن الرجل كلما سقاه أخوه، وقد انتهى هذا اليقين بتصديق الواقع له في النهاية، وهكذا يجب أن يكون يقين المسلم بكل قضية وبكل حقيقة وردت في كتاب الله. مهما بدا في ظاهر الأمر ما يسمى الواقع يخالفها. فهي أصدق من ذلك الواقع الظاهري، الذي ينثني في النهاية ليصدقها..
ونقف هنا أمام ظاهرة التناسق في عرض هذه النعم: إنزال الماء من السماء، وإخراج اللبن من بين فرث ودم، واستخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب، والعسل من بطون النحل.. إنها كلها أشربه تخرج من أجسام مخالفة لها في شكلها، ولما كان الجو جو أشربة فقد عرض من الأنعام لبنها وحده في هذا المجال تنسيقًا لمفردات المشهد كله، وسنرى في الدرس التالي أنه عرض من الأنعام جلودها وأصوافها وأوبارها لأن الجو هناك كان جو أكنان وبيوت وسرابيل فناسب أن يعرض من الأنعام جانبها الذي يتناسق مع مفردات المشهد وذلك أفق من آفاق التناسق الفني في القرآن.
ومن الأنعام والأشجار والثمار والعسل إلى لمسة أقرب إلى أعماق النفس البشرية، لأنها في صميم ذواتهم: في أعمارهم وأرزاقهم وأزواجهم وبنيهم وأحفادهم. فهم أشد حساسية بها، وأعمق تأثرًا واستجابة لها: {والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئًا إن الله عليم قدير والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقًا من السماوات والأرض شيئًا ولا يستطيعون}.
واللسمة الأولى في الحياة والوفاة، وهي متصلة بكل فرد وبكل نفس؛ والحياة حبيبة، والتفكر في أمرها قد يرد القلب الصلد إلى شيء من اللين، وإلى شيء من الحساسية بيد الله ونعمته وقدرته، والخوف عليها قد يستجيش وجدان التقوى والحذر والالتجاء إلى واهب الحياة، وصورة الشيخوخة حين يرد الإنسان إلى أرذل العمر، فينسى ما كان قد تعلم، ويرتد إلى مثل الطفولة من العجز والنسيان والسذاجة. هذه الصورة قد ترد النفس إلى شيء من التأمل في أطوار الحياة، وقد تغض من كبرياء المرء واعتزازه بقوته وعلمه ومقدرته، ويجيء التعقيب: {إن الله عليم قدير} ليرد النفس إلى هذه الحقيقة الكبيرة. أن العلم الشامل الأزلي الدائم لله، وأن القدرة الكاملة التي لا تتأثر بالزمن هي قدرة الله، وأن علم الإنسان إلى حين، وقدرته إلى أجل، وهما بعد جزئيان ناقصان محدودان.
واللمسة الثانية في الرزق، والتفاوت فيه ملحوظ، والنص يرد هذا التفاوت إلى تفضيل الله لبعضهم على بعض في الرزق، ولهذا التفضيل في الرزق أسبابه الخاضعة لسنة الله. فليس شيء من ذلك جزافًا ولا عبثًا، وقد يكون الإنسان مفكرًا عالمًا عاقلًا، ولكن موهبته في الحصول على الرزق وتنميته محدودة، لأن له مواهب في ميادين أخرى، وقد يبدو غبيًا جاهلًا ساذجًا، ولكن له موهبة في الحصول على المال وتنميته.
والناس مواهب وطاقات. فيحسب من لا يدقق أن لا علاقة للرزق بالمقدرة، وإنما هي مقدرة خاصة في جانب من جوانب الحياة، وقد تكون بسطة الرزق ابتلاء من الله، كما يكون التضييق فيه لحكمة يريدها ويحققها بالابتلاء.، وعلى أية حال فإن التفاوت في الرزق ظاهرة ملحوظة تابعة لاختلاف في المواهب وذلك حين تمتنع الأسباب المصطنعة الظالمة التي توجد في المجتمعات المختلة والنص يشير إلى هذه الظاهرة التي كانت واقعة في المجتمع العربي؛ ويستخدمها في تصحيح بعض أوهام الجاهلية الوثنية التي يزاولونها، والتي سبقت الإشارة إليها. ذلك حين كانوا يعزلون جزءًا من رزق الله الذي أعطاهم ويجعلونه لآلهتهم المدعاة. فهو يقول عنهم هنا: إنهم لا يردون جزءًا من أموالهم على ما ملكت أيمانهم من الرقيق. وكان هذا أمرًا واقعًا قبل الإسلام ليصبحوا سواء في الرزق. فما بالهم يردون جزءًا من مال الله الذي رزقهم إياه على آلهتهم المدعاة؟ {أفبنعمة الله يجحدون} فيجازون النعمة بالشرك، بدل الشكر للمنعم المتفضل الوهاب؟
واللمسة الثالثة في الأنفس والأزواج والأبناء والأحفاد وتبدأ بتقرير الصلة بين الجنسين: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} فهن من أنفسكم، شطر منكم، لا جنس أحط يتوارى من يبشر به ويحزن! {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} والإنسان الفاني يحس الامتداد في الأبناء والحفدة، ولمس هذا الجانب في النفس يثير أشد الحساسية.
ويضم إلى هبة الأبناء والأحفاد هبة الطيبات من الرزق للمشاكلة بين الرزقين ليعقب عليها بسؤال استنكاري: {أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون} فيشركون به ويخالفون عن أمره، وهذه النعم كلها من عطائه، وهي آيات على ألوهيته وهي واقعة في حياتهم، تلابسهم في كل آن..
أفبالباطل يؤمنون؟ وما عدا الله باطل، وهذه الآلهة المدعاة، والأوهام المدعاة كلها باطل لا وجود له، ولا حق فيه، وبنعمة الله هم يكفرون، وهي حق يلمسونه ويحسونه ويتمتعون به ثم يجحدونه {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقًا من السماوات والأرض شيئًا ولا يستطيعون}.
وإنه لعجيب أن تنحرف الفطرة إلى هذا الحد، فيتجه الناس بالعبادة إلى ما لا يملك لهم رزقًا وما هو بقادر في يوم من الأيام، ولا في حال من الأحوال، ويدعون الله الخالق الرازق، وآلاؤه بين أيديهم لا يملكون إنكارها، ثم يجعلون لله الأشباه والأمثال!
{فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
إنه ليس لله مثال، حتى تضربوا له الأمثال.
ثم يضرب لهم مثلين للسيد المالك الرازق وللمملوك العاجز الذي لا يملك ولا يكسب. لتقريب الحقيقة الكبرى التي غفلوا عنها. حقيقة أن ليس لله مثال، وما يجوز أن يسووا في العبادة بين الله وأحد من خلقه وكلهم لهم عبيد: {ضرب الله مثلًا عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا فهو ينفق منه سرًا وجهرًا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلًا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلٌ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}.
والمثل الأول مأخوذ من واقعهم، فقد كان لهم عبيد مملوكون، لا يمكلون شيئًا ولا يقدرون على شيء، وهم لا يسوون بين العبد المملوك العاجز والسيد المالك المتصرف. فكيف يسوون بين سيد العباد ومالكهم وبين أحد أو شيء مما خلق، وكل مخلوقاته له عبيد؟
والمثل الثاني يصور الرجل الأبكم الضعيف البليد الذي لا يدري ولا يعود بخير، والرجل القوي المتكلم الآمر بالعدل، العامل المستقيم على طريق الخير.، ولا يسوي عاقل بين هذا وذاك. فكيف تمكن التسوية بين صنم أو حجر، وبين الله سبحانه وهو القادر العليم الآمر بالمعروف، الهادي إلى الصراط المستقيم؟
وبهذين المثلين يختم الشوط الذي بدأ بأمر الله للناس ألا يتخذوا إلهين اثنين، وختم بالتعجيب من أمر قوم يتخذون إلهين اثنين!. اهـ.